
أشار اتحاد شركات التأمين المصرية إلى أن التأمين البحري المستدام أصبح ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات البيئية والمناخية المتزايدة التي يواجهها قطاع النقل البحري العالمي، موضحًا أن الاستدامة في هذا المجال تتطلب تطوير آليات تأمينية تتماشى مع التحولات نحو ممارسات بحرية صديقة للبيئة، وتدعم في ذات الوقت استمرارية التجارة البحرية وتقليل المخاطر المرتبطة بها.
كما أوضح الاتحاد في دراسة حديثة عن التأمين البحري أن شركات التأمين المصرية لديها القدرة على قيادة هذا التحول من خلال تصميم منتجات تأمينية مبتكرة تغطي المخاطر البيئية والمناخية المتزايدة في البحار، وتشجيع أصحاب السفن والشركات البحرية على تبني المعايير البيئية الدولية عبر تقديم مزايا تأمينية تحفيزية، بالإضافة إلى الاستثمار في أدوات القياس وإدارة المخاطر المستدامة، خاصة مع تطور البيانات والتقنيات الرقمية، فضلًا عن التعاون مع الجهات التنظيمية لتحديث التشريعات بما يتماشى مع مفاهيم التأمين المستدام، وتعزيز الوعي داخل السوق المصرية حول أهمية دمج مبادئ الاستدامة في جميع مراحل الاكتتاب وإدارة المطالبات في التأمين البحري.
ودعا الاتحاد شركات التأمين إلى تطوير قدراتها الفنية وتوسيع نطاق تغطياتها لتتوافق مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف المتعلق بالحفاظ على الحياة تحت الماء.
ويسعى الاتحاد، وفقًا للدراسة، إلى التنسيق مع الهيئات الدولية لمتابعة المستجدات وتبني أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال الحيوي، مشيرًا في هذا السياق إلى تنظيمه منتدى الشرق الأوسط للتأمين البحري في مايو الماضي بالتعاون مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري (IUMI)، والذي أقيم لأول مرة في مصر.
يعتبر التأمين البحري المستدام نهجًا متطورًا للعمل التأميني في البيئة البحرية، حيث لا يقتصر على التقييم التقليدي للمخاطر، بل يُدمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) ضمن عملية الاكتتاب، مما يعني أن شركات التأمين لا تكتفي بدراسة الجوانب المالية المرتبطة بمشروعات الشحن أو التطوير الساحلي، بل تنظر أيضًا إلى التأثيرات المحتملة على النظم البيئية البحرية والمجتمعات الساحلية.
في حين تركز وثيقة التأمين البحري التقليدية على عوامل مثل عمر السفينة، وحالتها الفنية، وقيمة البضائع ومسار الرحلة لتقدير احتمالات الحوادث أو التأخير أو فقدان الشحنة، يتسع نطاق التأمين البحري المستدام ليشمل عناصر مثل كفاءة استهلاك الوقود، ونظم إدارة النفايات، والالتزام بالتشريعات البيئية العالمية، كما يتضمن تقييم احتمالات تسرب المواد النفطية، أو الإضرار بالشعاب المرجانية، أو التأثير على مناطق الصيد في حال وقوع حادث، مما يعكس فهمًا شاملًا للأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية المرتبطة بالأنشطة البحرية.
لفهم التأمين البحري المستدام، من المهم إدراك الوعي المتزايد بالتحديات البيئية التي تواجه بحارنا ومحيطاتنا، فقضايا مثل تغير المناخ، والتلوث البلاستيكي، والصيد الجائر ليست مجرد مخاوف بيئية، بل تُشكل أيضًا مخاطر اقتصادية جسيمة، على سبيل المثال، يمكن أن يُلحق ارتفاع منسوب مياه البحر والظواهر الجوية المتطرفة الضرر بالبنية التحتية الساحلية ويُعطل مسارات الشحن، مما يؤدي إلى زيادة مطالبات التأمين، وبالمثل، يمكن أن يؤثر انخفاض مخزون الأسماك على سبل عيش المجتمعات الساحلية وربحية أساطيل الصيد.
يسعى التأمين البحري المستدام إلى التصدي للتحديات البيئية التي تواجه القطاع البحري من خلال تشجيع السلوك المسؤول وتبني ممارسات أكثر استدامة، ويتم ذلك عبر مجموعة من الآليات التي تربط بين التغطية التأمينية والأداء البيئي، من أبرزها:
■ التسعير القائم على المخاطر: منح خصومات في الأقساط للشركات التي تعتمد تقنيات صديقة للبيئة وممارسات تشغيلية مستدامة
■ شروط التغطية: اشتراط التزام المؤمن لهم بمعايير بيئية محددة أو تطبيق أفضل الممارسات البيئية
■ استراتيجيات الاستثمار: توجيه الاستثمارات نحو المشاريع والشركات التي تسهم في حماية النظام البيئي البحري
يرتكز هذا التوجه على مبدأ أساسي يتمثل في المواءمة بين أنشطة التأمين واستدامة البيئة البحرية ومرونتها على المدى الطويل، مما يتطلب تجاوز الدور التقليدي للتأمين كأداة لإدارة المخاطر المالية، ليصبح شريكًا فاعلًا في بناء مستقبل مستدام للمحيطات والمجتمعات الساحلية.
يوفر التأمين البحري المستدام فوائد عديدة لجميع أصحاب المصلحة، بالنسبة لشركات التأمين، يمكن أن يعزز ذلك السمعة، ويجذب المستثمرين المسؤولين اجتماعيًا، ويقلل المخاطر طويلة الأجل المرتبطة بالأضرار البيئية وتغير المناخ، أما بالنسبة لحاملي الوثائق، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض أقساط التأمين، وتحسين إدارة المخاطر، وتعزيز صورة العلامة التجارية، وبالنسبة للبيئة، فإنه يمكن أن يحفز السلوك المسؤول، ويعزز الممارسات المستدامة، ويساهم في حماية النظم البيئية البحرية، وأخيرًا بالنسبة للمجتمعات الساحلية، فإنه يمكن أن يدعم سبل العيش، ويحمي التراث الثقافي، ويعزز القدرة على الصمود في مواجهة التغيرات البيئية.
في النهاية، يمثل التأمين البحري المستدام سيناريو مربحًا لجميع أصحاب المصلحة المشاركين في القطاع البحري، وهو لا يقتصر على مجرد دمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)، بل يتعدى ذلك نحو تبني دور ريادي في توجيه قطاع النقل البحري نحو مزيد من المسؤولية البيئية والاجتماعية، فهو يسعى لإحداث تغيير منهجي شامل، من خلال فهم أعمق للعلاقة المعقدة بين ممارسات التأمين والنظم البيئية البحرية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها.
عند النظر في تمويل مشروع تطوير ميناء جديد، يركز التأمين التقليدي على تقييم مخاطر البناء، والمسؤوليات القانونية، والخسائر الناتجة عن توقف الأعمال، في المقابل، ينطلق التأمين البحري المستدام من هذه الأسس، ويضيف إليها تحليلاً للأثر البيئي للمشروع، ومدى التزامه بالمعايير والاتفاقيات الدولية، مثل لوائح المنظمة البحرية الدولية، بالإضافة إلى مدى تأثيره على المجتمعات المحلية المحيطة.
يقوم المكتتب في هذا السياق بدراسة خطط المشروع المتعلقة بتقليل أعمال التجريف، وإدارة النفايات، وحماية المواقع البيئية الحساسة، إلى جانب إجراءات التعويض عن أي أضرار بيئية لا يمكن تجنبها، كما يُعنى أيضًا بتقييم الأثر الاجتماعي للمشروع، مثل توفير فرص عمل جديدة أو تعويض الأثر المحتمل لتوقف الأعمال المؤقت بسبب الإنشاءات، وقد تتضمن وثيقة التأمين بنودًا تُلزم المطور باتخاذ تدابير محددة للتخفيف من الأثر البيئي، كتركيب حواجز صوتية لحماية الكائنات البحرية، أو إنشاء شعاب صناعية تعويضًا عن البيئات الطبيعية المتضررة.
من الجوانب الرئيسية للتأمين البحري المستدام دمج نمذجة مخاطر المناخ، فالبيئة البحرية معرّضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع منسوب مياه البحر، وتحمض المحيطات، والظواهر الجوية المتطرفة، ويتعين على شركات التأمين فهم كيفية تطور هذه المخاطر مع مرور الوقت وتأثيرها على محافظها الاستثمارية، ويتطلب ذلك تقنيات نمذجة متطورة تتضمن توقعات مناخية، وبيانات المحيطات، وتقييمات لمواطن الضعف المحلية.
لتطبيق التأمين البحري المستدام بفعالية، تحتاج شركات التأمين إلى الوصول إلى بيانات موثوقة وأدوات تحليلية فعّالة، ويشمل ذلك بيانات حول:
■ انبعاثات السفن: تتبع البصمة الكربونية للسفن وتحفيز استخدام الوقود والتقنيات الأكثر نظافة
■ ممارسات الصيد: تقييم استدامة عمليات الصيد وتعزيز أساليب الصيد المسؤولة
■ التنمية الساحلية: تقييم الآثار البيئية والاجتماعية لمشاريع البنية التحتية الساحلية
■ التلوث البحري: مراقبة مستويات التلوث وإنفاذ اللوائح لمنع الانسكابات والتصريفات
يمكن استخدام هذه البيانات لتطوير نماذج المخاطر، وتتبع الأداء، وقياس فعالية مبادرات الاستدامة، كما يمكن لشركات التأمين التعاون مع مؤسسات البحث والمنظمات البيئية للوصول إلى أحدث العلوم والخبرات.
في حين أن التأمين البحري المستدام يوفر إمكانات كبيرة، فإنه يواجه أيضًا العديد من التحديات، مثل غياب التوحيد القياسي، حيث لا يوجد حاليًا تعريف متفق عليه عالميًا لما يُشكل تأمينًا بحريًا «مستدامًا»، مما قد يؤدي إلى التضليل البيئي وانعدام الشفافية، وكذلك فجوات البيانات، حيث غالبًا ما تكون البيانات الموثوقة بشأن المخاطر البيئية والاجتماعية في البيئة البحرية نادرة أو غير كاملة، كما أن التركيز على المدى القصير قد يتعارض مع أهداف الاستدامة طويلة الأجل، إلى جانب التعقيد الذي قد يتطلب تقييم المخاطر البيئية والاجتماعية خبرة متخصصة.
ورغم هذه التحديات، هناك أيضًا فرص كبيرة للنمو والابتكار، من خلال تطوير أطر عمل موحدة، والاستثمار في جمع البيانات وتحليلها، وتعزيز التفكير طويل الأمد، وبناء الشراكات.
تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تمكين التأمين البحري المستدام، من خلال مراقبة الأقمار الصناعية، وتتبع تحركات السفن، واكتشاف الانسكابات النفطية، ومراقبة أنشطة الصيد غير المشروعة، وكذا الاستشعار عن بعد في تقييم تآكل السواحل، ورسم خرائط الموائل البحرية، ومراقبة جودة المياه، بالإضافة إلى دور الذكاء الاصطناعي في تطوير نماذج المخاطر، وأتمتة معالجة المطالبات، وتحديد الأنشطة الاحتيالية، مما يسهل التحقق من الشهادات البيئية.
من خلال الاستفادة من هذه التقنيات، يمكن لشركات التأمين اكتساب فهم أفضل للمخاطر التي تؤمن عليها وتطوير استراتيجيات استدامة أكثر فعالية.
تعتبر المنظمة البحرية الدولية (IMO) واحدة من أبرز المبادرات العالمية لدعم الاستدامة في القطاع البحري، حيث تلعب دوراً محورياً في وضع اللوائح والمعايير الدولية لتقليل الانبعاثات من السفن، مثل اتفاقية ماريول (MARPOL) التي تهدف إلى منع التلوث البحري، وتعمل المنظمة أيضًا على تطوير مؤشرات جديدة مثل مؤشر كثافة الكربون (CII) ومؤشر تصميم كفاءة الطاقة (EEDI) لتحفيز السفن على تحسين كفاءتها البيئية.
أما مبادئ بوسيدون (Poseidon Principles) فهي إطار عالمي لدمج اعتبارات المناخ في قرارات الإقراض البحري، حيث تلتزم البنوك والمؤسسات المالية الموقعة على هذه المبادئ بتقييم ومواءمة محافظها الإقراضية مع أهداف إزالة الكربون التي وضعتها المنظمة البحرية الدولية، مما يحفز شركات الشحن على الاستثمار في سفن وتقنيات أكثر كفاءة بيئياً.
ويكمل ميثاق الشحن البحري (Sea Cargo Charter) مبادئ بوسيدون من خلال توفير إطار عالمي لتقييم ومواءمة أنشطة الشحن مع أهداف إزالة الكربون، مما يهدف إلى زيادة الشفافية في تقارير الانبعاثات وتشجيع الممارسات المستدامة عبر سلسلة القيمة البحرية.
في النهاية، يُعدّ مجال التمويل البحري أحد التأثيرات المحورية متعددة القطاعات على التأمين البحري المستدام، حيث يمكن لتوافر رأس المال وشروط تقديمه أن يؤثر بشكل كبير على استدامة الأنشطة البحرية، إذ إذا أولت البنوك وصناديق الاستثمار الأولوية للأرباح قصيرة الأجل على الاعتبارات البيئية، فقد تزداد احتمالية تمويلها للمشاريع ذات المخاطر البيئية العالية، مثل حفر النفط البحري أو ممارسات الصيد المدمرة، بينما إذا اعتمدت المؤسسات المالية معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG) وأدمجت اعتبارات الاستدامة في قرارات الإقراض والاستثمار، يمكنها تحفيز سلوكيات أكثر مسؤولية وتعزيز تبني التقنيات والممارسات المستدامة.
ويُعدّ صعود «التمويل الأزرق» باعتباره أحد أهم الأدوات المالية المصممة خصيصًا لدعم الأنشطة البحرية المستدامة تطورًا واعدًا في هذا الصدد، حيث تُستخدم السندات والقروض وصناديق الاستثمار الزرقاء بشكل متزايد لتمويل المشاريع التي تُسهم في بيئة بحرية صحية، مثل تربية الأحياء المائية المستدامة، والطاقة المتجددة، والحفاظ على البيئة البحرية.
في النهاية، يجب معالجة التحديات التي تواجه التمويل البحري وتعزيز دمج التأمين البحري المستدام فيه من خلال رفع مستوى الوعي، وتحسين توافر البيانات، ومواءمة الحوافز، وتعزيز الأطر التنظيمية، مما يعزز الشفافية والمساءلة، ويشكل مستقبلًا أكثر استدامة لبحارنا ومحيطاتنا.
- أمين البحوث الإسلامية: منهج علمي يجمع بين الشريعة والمعرفة في التعامل مع النوازل الفقهية
- وكيل الأزهر: ضرورة تطوير الدراسات الفقهية لمواكبة التقدم الهائل في علوم الفضاء (صور)
- «البحوث الإسلامية» ينظم ملتقى علمي حول النوازل الفقهية المتعلقة بأحكام الفضاء: استكشاف التحديات المستجدة في العصر الحديث
- تقرير شامل من 'معلومات الوزراء': أبرز مستجدات صناعة الزجاج على الصعيدين العالمي والمحلي
- وزير الأوقاف يلقي محاضرة في مسجد مصر الكبير حول أهمية دور الدولة في دعم القرآن الكريم (صور)