
يمر سبعة عشر عامًا على رحيل الشاعر محمود درويش، الذي أظهر لنا كيف يمكن أن تكون القصيدة وطنًا حين يُسلب الوطن، وكيف تتحول الكلمة إلى جدار يحمي ذاكرة أمة من النسيان، وُلد درويش في قرية البروة القريبة من عكا عام 1941، وعاش طفولته في خضم النكبة، حيث شهد كيف تحولت البيوت إلى أطلال، والأرض إلى حدود مغلقة، فحمل قريته في حقيبة اللغة، وجعل من الشعر خريطة عاطفية لفلسطين، من بحرها حتى زيتونها.
لم يكن درويش شاعرًا عابرًا في تاريخ الأدب العربي، بل كان ظاهرة إنسانية فريدة تجمع بين رهافة الحس وعمق الموقف السياسي، وبين الغنائية العالية والتأمل الفلسفي في الوجود والموت والحب والمنفى.
قصائده لم تكن مجرد أبيات منظومة، بل كانت مرآةً لرحلة جيل كامل تكسّر على صخرة الاحتلال، ثم نهض من جديد ممسكًا بالقلم كما يمسك بندقية.
من قصيدة “أنا عربي” التي أصبحت نشيدًا للمقاومة، إلى “جدارية” التي كتبها وهو يحدق في وجه الموت، ظل درويش ينسج خيوط اللغة بمهارة صائغ يعرف أن كل كلمة قد تكون آخر ما يكتبه.
في المنفى، من بيروت إلى باريس، ومن القاهرة إلى رام الله، ظل صوته يصل إلى فلسطين كما تصل الرسائل المهرّبة عبر الأسلاك، حاملًا سلامًا لأم تنتظر على عتبة البيت، أو لطفل يكتب على دفتره الصغير: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، وعندما عاد إلى وطنه، لم يعد بجسد شاعر فقط، بل بروح أجيال حملت قصائده في حقائبها، وغنتها بصوت مارسيل خليفة، وحفظتها في الذاكرة الجمعية كجزء من النشيد اليومي
رحل جسد محمود درويش في التاسع من أغسطس 2008، لكن جنازته التي شيعها عشرات الآلاف كانت إعلانًا أن الشاعر لم يمت، بل استقر في مكان آخر: في صفحات الكتب، في أصوات المغنين، في قلوب العاشقين، وفي كل قصيدة تُكتب اليوم على هدى ما تركه لنا من نور الحروف، ومنذ ذلك اليوم، لم تعد ذكراه مجرد محطة في تقويم الثقافة العربية، بل طقسًا سنويًا نستعيد فيه فلسطين كما رآها هو: قمحًا، وخبز أم، وظل زيتون، ونشيدًا لا ينكسر
البدايات.. حين وُلدت القصيدة من رحم النكبة
وُلد محمود درويش في قرية البروة الفلسطينية، وعاش طفولته الأولى بين الحقول التي تحولت فجأة إلى أرض محتلة، هذه التجربة المبكرة صنعت صوته الشعري المجبول بالمنفى والمقاومة، أصدر ديوانه الأول “عصافير بلا أجنحة” عام 1960، ثم لفت الأنظار أكثر مع “أوراق الزيتون” (1964)، حيث كتب الشعر بلغة بسيطة لكنها حادة كالمطرقة على جدار الاحتلال.
«سجّل أنا عربي».. القصيدة التي تحولت إلى نشيد
في عام 1964 كتب قصيدته الشهيرة “سجّل أنا عربي”، التي قرأها ملايين العرب والفلسطينيين كوثيقة هوية جماعية، كانت القصيدة بمثابة إعلان وجود في وجه محاولات الطمس، وتحولت إلى رمز للمقاومة الثقافية والسياسية.
قصيدة الحنين الكبرى.. “أحن إلى خبز أمي”.
في سنوات اعتقاله كتب قصيدة “أحن إلى خبز أمي”، التي لحّنها وغنّاها مارسيل خليفة، لتصبح أيقونة الوجدان الفلسطيني، لم تكن مجرد نص عن الأم، بل عن الوطن، عن البيت، وعن الدفء الذي يُسلب مع المنفى.
من المقاومة إلى الفلسفة.. مراحل تطور الشعر
قسم النقاد مسيرة درويش الشعرية إلى ثلاث مراحل:
1. مرحلة المقاومة: الدواوين المبكرة مثل “أوراق الزيتون” و”عاشق من فلسطين” 2. مرحلة المنفى: من 1972 حتى 1994، حيث كتب نصوصًا كثيفة بالرمز والأسطورة، مثل “مديح الظل العالي” و”حالة حصار” 3. مرحلة العودة والتأمل: بعد عودته إلى فلسطين، حيث انفتحت نصوصه على التأمل الوجودي كما في “كزهر اللوز” أو “أبعد” و”في حضرة الغياب”
شاعر العالم.. ترجمة فلسطين إلى 20 لغة
أكثر من 30 ديوانًا شعريًا، تُرجمت إلى نحو 20 لغة، جعلت من درويش صوتًا عالميًا للقضية الفلسطينية، لم يكن مجرد شاعر سياسي، بل شاعر إنساني استطاع أن يجعل القارئ الياباني أو اللاتيني يشعر بأن فلسطين قريبة من بيته.
الرحيل.. وميلاد الأسطورة
في التاسع من أغسطس 2008، رحل محمود درويش بعد عملية قلب في الولايات المتحدة، شيّعه عشرات الآلاف في جنازة رسمية وشعبية برام الله، ودفن هناك، لتصبح مقبرته مزارًا يضع عليه الناس الزهور ونسخًا من دواوينه.
إرث لا يموت.
إلى اليوم، تُقرأ قصائده في المدارس، وتغنى في الحفلات، وتُستشهد بها في الخطب والكتابات، وكأنها ولدت أمس، صار درويش مدرسة كاملة في الشعر العربي الحديث، وأيقونة ثقافية تربط بين الأجيال.
- بعد قرار احتلال غزة: الخارجية المصرية تؤكد دعمها الثابت للقضية الفلسطينية
- 12 طائرة عسكرية مصرية تُسهم في إيصال المساعدات إلى غزة خلال 3 أيام
- الرئيس السيسي يعزز موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية ويرفض التهجير
- <p><strong>الحوار الوطني: تحالف "إخوان تل أبيب" مع الاحتلال في مواجهة الشعب الفلسطيني</strong> </p> <p>هذا العنوان أكثر جذبًا ويعكس المحتوى بشكل واضح، مما يساعد في تحسين ظهوره في محركات البحث وأخبار جوجل.</p>
- الخارجية المصرية: لا توجد دولة في العالم قدمت تضحيات للقضية الفلسطينية مثل مصر