مصر، منذ قرون طويلة، كانت وما زالت مركزًا هامًا للقرآن الكريم، حيث تميزت بصوت التلاوة الأصيلة التي نقلها كبار القراء إلى مسامع المسلمين في جميع أنحاء العالم، هذا التراث الروحي ليس مجرد تاريخ، بل هو جزء أساسي من القوة الناعمة المصرية التي تتجذر في وجدان الشعوب، واليوم، تُعيد مصر إحياء هذا الإرث من خلال برنامج «دولة التلاوة»، الذي يُعتبر أكبر مسابقة قرآنية تليفزيونية في العالم العربي، والتي انطلقت من جامع عمرو بن العاص لتكشف عن جيل جديد يسير على خطى أعلام التلاوة المصرية، مؤكدًا أن «مدرسة القاهرة» لا تزال حية وقادرة على التجدد.

في أجواء روحانية مهيبة، شهد الجامع العريق التصفيات الأولى للمسابقة، التي تُنظم بالتعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بمشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف المحافظات، وقد جاءت المبادرة لتعيد إلى الأذهان أصوات الكبار، مثل الشيخ محمد رفعت، والشيخ الحصري، ومحمود علي البنا، وعبد الباسط عبد الصمد، وغيرهم ممن جعلوا من «دولة التلاوة» علامة مضيئة في تاريخ مصر والعالم الإسلامي.

«دولة التلاوة» لا تهدف فقط إلى تكريم الموهوبين، بل تسعى أيضًا لخلق جيل جديد قادر على الحفاظ على روح المدرسة المصرية في التلاوة، ومواصلة رسالة الكبار الذين أثروا وجدان المسلمين بأصواتهم الخاشعة.

في تصريح خاص لـ«إقرأ نيوز»، قال الدكتور أسامة فخري الجندي، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد والقرآن الكريم: «إن مسابقة دولة التلاوة تُعتبر أضخم مسابقة قرآنية تليفزيونية بالتعاون بين وزارة الأوقاف والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وتأتي في إطار السعي لاستمرار ريادة مصر في خدمة القرآن الكريم والحفاظ على مكانتها التاريخية بوصفها دولة التلاوة».

وأوضح أن من بين الأهداف الرئيسية للمسابقة إحياء المدرسة المصرية الرصينة في فنون التلاوة، ودعم الموهوبين من أصحاب الأصوات المتميزة، خاصة الذين يجمعون بين حسن الصوت ودقة الأحكام، ليواصلوا السير على نهج عباقرة التلاوة في مصر، مثل الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ محمد رفعت، والشيخ محمود علي البنا، وغيرهم من أعلام دولة التلاوة.

وأكد أن المسابقة لا تقتصر على دعم الموهوبين أو البحث عن الأصوات المتميزة فحسب، بل تأتي أيضًا تعزيزًا لدور القوى الناعمة، ودعمًا لمكانة مصر الدولية والإقليمية في نشر رسالة القرآن الكريم، مشيرًا إلى أنه منذ انطلاق فعالياتها، تقدم أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف المحافظات.

وأضاف: «أجرينا فعاليات المسابقة بالفعل في سبع محافظات مركزية، بدأت من القاهرة التي تضم معها الجيزة والقليوبية وبني سويف والفيوم، ثم الإسكندرية حيث استمرت المقابلات ثلاثة أيام، وكذلك الدقهلية التي وصلنا فيها إلى اليوم الخامس، فضلًا عن محافظة قنا التي بدأت فعالياتها مؤخرًا، وما زال المتقدمون يتوافدون على مختلف المحافظات».

وتابع أن «المسابقة تمر بمراحل تنافسية، ونحن لا نزال في مرحلة التصفيات الأولية، وقد ظهرت بالفعل أصوات من أجمل وأرقى الأصوات في تلاوة القرآن الكريم، ومن المقرر أن تنتهي هذه المرحلة مع الأسبوع الأول من شهر سبتمبر، لتبدأ بعدها المرحلة المركزية، وصولًا إلى المرحلة النهائية، حتى نصل في النهاية إلى الغاية المنشودة وهي إيجاد جيل جديد من القراء يسير على نهج كبار القراء في مصر ممن جمعوا بين جمال الصوت ودقة الأحكام».

وأشار وكيل الوزارة إلى أن أهم الشروط التي وُضعت للمسابقة هي إجادة التلاوة مع ضبط الأحكام، دون التقيد بسن محددة أو عمر معين، وهو ما فتح الباب أمام مشاركة أوسع بين مختلف الفئات العمرية من الأطفال والشباب والشيوخ، لتشهد المسابقة تنافسًا مدهشًا بين الأصوات.

وفيما يخص الجوائز، أوضح أن المسابقة تتضمن فرعين أساسيين هما: الترتيل والتجويد، ويحصل الفائز الأول في كل فرع على جائزة مالية قدرها مليون جنيه، بينما يحصل الثاني على 500 ألف جنيه، والثالث على 250 ألف جنيه، إلى جانب جوائز معنوية أخرى، وقد أشار الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، إلى إمكانية الاستعانة بالمتميزين من المتسابقين في إمامة المصلين بالمساجد الكبرى خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى فرص ومفاجآت أخرى ستُكشف لاحقًا.

أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف المحافظات تقدموا لاختبارات البرنامج، في مشهد يعكس الشغف الكبير بتلاوة القرآن والسعي إلى حمل لواء مدرسة التلاوة المصرية العريقة، والاختبارات تقام تحت إشراف لجنة من كبار العلماء والقراء، وتستكمل جولاتها في الإسكندرية والدقهلية وأسيوط وقنا والإسماعيلية والمنوفية، لاختيار أفضل الأصوات.

تصل قيمة الجوائز إلى 2 مليون و750 ألف جنيه، حيث يحصل الفائز الأول في كل فرع (الترتيل – التجويد) على فرصة تسجيل المصحف كاملًا بصوته، ليُذاع عبر قناة «مصر قرآن كريم»، بينما تستعين وزارة الأوقاف بالمتميزين منهم في إمامة المصلين خلال صلاة التراويح بشهر رمضان المقبل بمسجد سيدنا الحسين.

التصفيات المركزية الأولية لمسابقة دولة التلاوة الكبرى بدأت يوم السبت 16 أغسطس وستستمر حتى الأربعاء 3 سبتمبر المقبل.

وكانت الوزارة قد طلبت من جميع المديريات التنبيه على المتسابقين بضرورة الحضور إلى أماكن انعقاد التصفيات كما هي موزعة، وذلك لأداء التصفيات المركزية الأولية الخاصة بالمسابقة، وتهدف المسابقة إلى تقديم جيل جديد من القراء المتميزين أصحاب الصوت الحسن الذين يسيرون على خُطى عمالقة التلاوة المصرية.

وشددت الوزارة على ضرورة إحضار صورة من الرقم القومي للمتسابق، مع وجود الأصل للاطلاع عليه، وبالنسبة للناشئة، يُكتفى بصورة من شهادة الميلاد، مع صورة من الرقم القومي لولي الأمر، أما بالنسبة لذوي الهمم، فيُشترط إحضار شهادة طبية تثبت الحالة، أو كارنيه الخدمات المتكاملة.

ويتوجب على جميع المتسابقين الواردة أسماؤهم التأكد من استيفاء جميع الشروط التالية: الإجادة التامة لأحكام التجويد، أن يشارك المتقدم في فرع واحد فقط: التجويد أو الترتيل، ألا يكون المتقدم من القراء والمبتهلين المعتمدين في الإذاعة، ألا يكون المتقدم من قراء السورة المعتمدين بوزارة الأوقاف (أي الذين تم اعتمادهم رسميًا لتلاوة السور في الشعائر الرسمية أو المساجد الكبرى).

مع التأكيد على أنه سيتم استبعاد من لم تنطبق عليه الشروط في أي مرحلة من مراحل المسابقة.