في جلسة حوارية غنية بالمعلومات في الهيئة الوطنية للصحافة، اجتمع مجموعة من رموز وشيوخ الصحافة القومية وكبار كتّابها لمناقشة ورقة تطوير المحتوى الإعلامي التي وضعتها لجنة تطوير المحتوى بالتعاون مع خبراء مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وفي رابع جلسات الهيئة، واستجابةً لتوجيهات رئيس الجمهورية، انتهت المناقشات إلى مجموعة من الأفكار والتوصيات التي أثرت ورقة المحتوى وأضافت إليها الكثير من الأفكار الملهمة.
وقد جرت المناقشات في أجواء مشتركة وهدف واحد للجميع وهو تطوير وتحديث المحتوى الصحفي، باعتباره حجر الزاوية للمحتوى الإعلامي الوطني.
عكست الجلسة الوعي الكبير بأهمية القضية المطروحة والاحتياج الملح لتنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال اجتماعاته مع قيادات الهيئات الإعلامية، لوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام.
قدم كل مشارك مقترحاته مستندًا إلى تجربته العملية ورؤيته للمشهد الصحفي والإعلامي في مصر والعالم، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه الدولة سواء على المستوى الأمني أو الهوية أو الاقتصاد.
توافق الجميع على عدد من الحقائق
أولاً: أن الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص ليست ترفًا بل ضرورة في ظل الأوضاع الحالية إقليميًا ودوليًا، وأن الصحافة رسالة وطنية تحتاج إلى دعم الجميع
ثانيًا: أن الصحافة الورقية لم تفقد مصداقيتها أو تأثيرها، بل لا تزال تحتفظ بمكانتها لدى القارئ المصري، ورغم التحديات التي واجهتها، استطاعت أن تستعيد قوتها وتأثيرها، وأرقام التوزيع تؤكد ذلك
ثالثًا: أن أخطر التحديات التي تواجه الصحافة الورقية هي الإعلام الرقمي والسوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي، ولا بد من التعامل مع هذه الوسائل كجزء من أدوات دعم الرسالة الصحفية، لضمان وصول ما تنشره الصحافة التقليدية إلى جمهور أكبر
رابعًا: أن المؤسسات الصحفية بحاجة إلى تطوير إمكاناتها وقدراتها التكنولوجية، والارتقاء بالبنية التحتية التي تؤهلها لذلك
خامسًا: أن الدولة لا تدخر جهدًا في دعم الصحافة ورسالتها على المستوى المهني والاقتصادي، وتوفير الأجواء المناسبة من الحرية لتحقيق رسالتها، كما أكدت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بطرح الرأي والرأي الآخر واستيعاب جميع الأفكار
سادسًا: هناك سبيلان للتطوير، الأول هو ضمان زيادة مساحة حرية الرأي التي شدد عليها الرئيس، وأن تكون الصحافة القومية جامعة لجميع الأصوات طالما كانت على أرضية وطنية، بشرط أن تكون الحرية مسؤولة وليست فوضى
أما السبيل الثاني فهو المهنية التي تتطلب تكثيف جهود التدريب والتأهيل للعاملين في الصحافة على الوسائل الجديدة، لتكون أداة داعمة للرسالة الصحفية.
سابعًا: ضرورة إيجاد وسيلة لضمان زيادة مساحات التوزيع، حيث يكون التنافس الصحفي في المحتوى بينما التعاون مطلوب في الطباعة والتوزيع للوصول إلى أكبر عدد من المناطق
ثامنًا: ضرورة إيجاد وسيلة لتخفيف الأعباء المالية عن المؤسسات الصحفية، خاصة الديون المتراكمة التي تثقل كاهلها، سواء كانت ضرائب أو تأمينات، وذلك لأن المؤسسات الصحفية غير هادفة للربح وتقدم رسالة تنوير مجتمعية وبناء للوعي
تاسعًا: ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية في تطوير الخطاب الإعلامي والحفاظ على الدور الوطني المهم للصحافة والإعلام بشكل عام
من جانبه، أكد المهندس عبدالصادق الشوربجي حرص الهيئة على الاستماع إلى جميع الآراء للوصول إلى رؤية شاملة، وأن كل مقترح أو فكرة ستناقش بجدية، مشيرًا إلى أن الفترة القادمة ستشهد استمرار جلسات النقاش مع الأجيال والفئات المختلفة في الصحافة القومية، وخاصة جيل الشباب، كما ستتلقى الهيئة أي مقترحات تقدم لها سواء عبر البريد الإلكتروني أو التواصل المباشر.
وأضاف أن الصحافة الورقية، رغم تراجع توزيعها خلال العقدين الماضيين لأسباب متعددة، إلا أنها لم تفقد تأثيرها وقدرتها على مواصلة رسالتها، وفي سبيل ذلك تسعى الهيئة دائمًا إلى دعم كل خطوات التطوير والتحديث والارتقاء بالمستوى المهني والتقني في جميع المؤسسات، بالإضافة إلى توفير كافة الإمكانيات الداعمة لمهمة الصحافة.
وشدد على أن الهيئة لا تتدخل في المحتوى الصحفي، إذ ليست رقيبًا، فسياسة التحرير لكل مطبوعة يحددها مجلس تحريرها والمسؤول عنها رئيس التحرير، لكن الهيئة تدير المؤسسات بما يساهم في أداء رسالتها الصحفية.
قال الشوربجي إنه لم يتم بيع أي أصل من أصول المؤسسات القومية لتوفير رواتب العاملين، وما تم هو استثمار الأصول لتحقيق عائد مالي مناسب يلبي الاحتياجات الاقتصادية، ويكون الهدف الرئيسي منه هو الحفاظ على مهنة الصحافة.
عبر الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي عن تفاؤله بهذه الجلسات، مشيرًا إلى أهمية حديث السيد رئيس الجمهورية الذي أكد فيه التزام الدولة بحرية الرأي، ومطالبته المشتغلين بالمهنة بفتح صدورهم ومنابرهم للرأي والرأي الآخر، حيث اعتبر حجازي أن حرية الرأي هي المفتاح الذي نوقظ به كل شيء.
فيما أشار الكاتب الكبير كرم جبر، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للإعلام، إلى ضرورة الاستعداد والانتباه لثورة الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الرسالة الإعلامية والصحفية، مؤكدًا أن حرية الرأي أمر لا خلاف عليه، والدولة تدعم هذا.
ولفت الكاتب الصحفي ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إلى أننا لسنا أمام مهنة ترفيهية، ولهذا تأتي أهمية جلسات مناقشة رؤية التطوير.
وقال إن حرية التعبير والرأي لا حدود لها إلا الدستور والقانون، مشيرًا إلى ما ترصده تقارير هيئة الاستعلامات من تناول خارجي للوضع في مصر، وأن نسبة ليست قليلة من هذا التناول تقدم صورة إيجابية.
وأكد رشوان أن الدولة تقدم الدعم للمواطن في كل المجالات، والصحفي والإعلامي مواطنون يحظون بدعم ومساندة الدولة، مشددًا على أن السوشيال ميديا لم ولن تحل مكان الصحافة التقليدية، لكن يمكن استثمارها في نقل ونشر ما تنتجه الصحافة.
وأشار الكاتب الصحفي الكبير أسامة سرايا، رئيس تحرير الأهرام السابق، إلى ثلاث قضايا مهمة، أولها اقتصاديات مهنة الصحافة التي تلعب دورًا كبيرًا في أداء الرسالة، والثانية ملف التوزيع الذي يتطلب رؤية تناسب التطورات المجتمعية والتكنولوجية، والثالث رعاية العاملين بالمؤسسات الصحفية باعتبارهم من ينتجون المادة، وطالب ببحث تجديد دماء المهنة بأجيال جديدة تمتلك مهارات العصر.
وطالب الكاتب الكبير سمير رجب، رئيس تحرير الجمهورية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير الأسبق، بضرورة تسوية مديونيات المؤسسات الصحفية ودراسة إمكانية إعدامها، لتتخفف هذه المؤسسات من عبء ثقيل يعيق عملها، مؤكدًا أن كل تطوير يمكن أن يحدث من خلال التقارير والمتابعات الصحفية والتحليلات الموضوعية القائمة على المعلومات التي يحتاجها القارئ.
وأكد الكاتب الصحفي الكبير علي هاشم، رئيس مجلس إدارة دار التحرير الأسبق، على أن القيادات الصحفية الحالية معنية برفع سقف الحرية بما لا يتجاوز حدود المسؤولية، مشيرًا إلى ضرورة توفير البنية التحتية والأساسية للتطوير التكنولوجي الذي تحتاجه المؤسسات بشدة.
وقال الكاتب الصحفي الكبير خالد جبر إننا يجب أن نلحق بقطار التطوير قبل أن تضيع الفرصة، مؤكدًا على الدور المهم الذي تقوم به الصحافة القومية، والذي لا يمكن تجاهله، محذرًا من خطورة الانسياق وراء دعوات التصفية أو التفريط في هذه المؤسسات.
ولفت الروائي والكاتب الكبير يوسف القعيد إلى ظاهرة غياب باعة الصحف التي تؤثر بشدة على التوزيع، مطالبًا بإيجاد آلية جديدة لتعويض هذا الأمر، لأن القارئ ما زال يحتاج للصحافة الورقية.
الكاتب الصحفي الكبير ووزير الثقافة الأسبق حلمى النمنم قال إنه لا توجد مشكلة في حرية الرأي والدولة لا تعارضها، لكن ما يجب أن ننتبه إليه هو تراجع المهنية، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرة في التدريب، وكذلك العودة إلى قواعد المهنية التي كانت تعمل بها الصحافة على مدى عقود ازدهارها.
وهو نفس ما لفت إليه الكاتب الكبير عبدالقادر شهيب، رئيس تحرير مجلة المصور ورئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق، الذي أضاف أن الإعلام القوي والفاعل والمؤثر يحتاج إلى المهنية القائمة على المعلومات، والحرية المسؤولة، وأولها حرية نشر المعلومات، مؤكدًا أنه مع تطوير المهنة وتنشيطها وتفعيل دور الصحافة القومية لكنه ضد دعوات يروجها البعض لتصفية المؤسسات.
وأكد الكاتب الكبير نبيل عمر على أهمية التدريب للصحفيين والإدارة الصحفية نفسها على كل الأدوات الحديثة، لأن التطور يتطلب مهارات وقدرات مختلفة، مشيرًا إلى أن حرية الرأي العاقلة والمهنية هما الطريق الصحيح لأي تطوير.
وهو نفس ما أشار إليه الكاتب الصحفي الكبير محمد بركات، رئيس تحرير الأخبار الأسبق، الذي أكد على أن الأعباء أصبحت ثقيلة ولابد من مواجهتها، مضيفًا أن المهنية والحرية والمسؤولية ثلاثية ضرورية للارتقاء بالمحتوى.
فيما أكد الكاتب الصحفي الكبير عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس الأهرام السابق، على ضرورة الاندماج بين المطبوع والإلكتروني، مع تسييد غرف الأخبار المدمجة، ودمج المطبوعات المتشابهة، والتركيز على المطبوعات الرئيسية باعتبارها قاطرة الصحافة القومية.
كما أكد عبدالله حسن، رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط الأسبق ووكيل الهيئة الوطنية للصحافة الأسبق، على أن الصحافة ووكالات الأنباء ما زالت تلعب دورًا مهمًا، ويمكن أن تصنع تميزها باتباع قواعد المهنية والبحث عن المعلومة، مطالبًا بمراجعة إمكانية فتح مكاتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في بعض العواصم.