تحولت «حلقة الأسماك» في منطقة السقالة بالغردقة إلى أكثر من مجرد سوق تقليدية يشتري منها الأهالي احتياجاتهم اليومية من الأسماك الطازجة، فبعد التطوير الأخير أصبحت وجهة سياحية ضمن جولات السيتي تورز التي تنظمها شركات السياحة، مما جعلها نقطة جذب للسائحين الذين يرغبون في التعرف على جانب أصيل من هوية المدينة الساحلية، من خلال مشاهدة أنواع الأسماك وطرق تجهيزها، لتصبح السوق بمثابة تحفة فنية للسياح.
السائحون الذين اعتادوا رؤية الغردقة من خلال شواطئها الذهبية ومنتجعاتها الفاخرة، اكتشفوا في حلقة الأسماك جانبًا آخر للمدينة يعكس طبيعتها البحرية وثقافة أهلها الذين ارتبطت حياتهم بالبحر على مر الأجيال، كما أن شركات السياحة أدركت أهمية هذا المكان سريعًا، فقامت بإدراجه ضمن برامجها لتعريف السائحين بالمناطق التراثية والتجارية والدينية، مما جعل الحلقة بمثابة «متحف حي» يعرض الحياة اليومية للمدينة بعيدًا عن الصور النمطية المعتادة. وإذا كان البحر الأحمر قد منح الغردقة ثروة طبيعية لا تضاهى من الشعاب المرجانية والكائنات البحرية، فإن حلقة الأسماك تقدم الوجه الآخر لتلك الثروة، وهو وجه الإنسان الذي يعيش على الصيد ويعتبر البحر رفيق حياته.
في حلقة الأسماك بالغردقة، يلتقي السائح بالصياد، وتلتقط الكاميرات لحظات إنسانية نادرة تلخص قصة مدينة بأكملها، وهكذا، لا تقتصر «حلقة الأسماك» على كونها سوقًا مطورًا على الطراز الأوروبي، بل تتجاوز ذلك لتصبح إرثًا حديثًا يستحق التوثيق، وتجربة حضارية نابضة بالحياة، ووجهة سياحية مميزة تكتب فصلًا جديدًا في سيرة الغردقة التي لا تزال قادرة على إبهار العالم بكل تفاصيلها.
زارت «إقرأ نيوز» حلقة الأسماك حيث تتعالى أصوات الباعة وتفوح روائح البحر وتتناثر ألوان الأسماك المتنوعة، بينما يقف السائحون القادمين من أوروبا وروسيا أمام المشهد بانبهار، يلتقطون الصور التذكارية ويستمعون إلى شروح المرشدين السياحيين عن أسماء الأنواع وأسعارها، بينما يفضل آخرون تذوق الأطباق البحرية في المطاعم الصغيرة داخل الحلقة، مما يكمل المشهد بتجربة حسية تجمع بين النظر والذوق.
في ساعات الصباح الأولى، عندما تفرغ مراكب الصيد حمولتها على الأرصفة، تدب الحياة في الحلقة، وتتعالى أصوات الباعة بمفرداتهم الشعبية المميزة، بينما تلمع عيون السائحين بالدهشة أمام عشرات الأنواع من الأسماك الملونة، من الوقار إلى الشعور والدراك، ومن الجمبري إلى الحبار، ولا تتوقف كاميرات السياح عن التقاط الصور، بينما يفضل آخرون الاستمتاع بتجربة تذوق الأطباق البحرية الطازجة في مطاعم الحلقة الصغيرة، حيث تتمازج الروائح الشهية مع صخب الحياة اليومية، ليصبح المشهد تجربة حسية لا تُنسى.
أكد اللواء عمرو حنفي، محافظ البحر الأحمر، أن أعمال التطوير التي بلغت تكلفتها 30 مليون جنيه منحت المكان مظهرًا حضاريًا متكاملًا، حيث شُيدت الحلقة على مساحة 6370 مترًا مربعًا تضم 54 شادر سمك و9 محال تجارية وغرف ثلاجات ومصنع ثلج ومخبز ومناطق لتنظيف الأسماك، بالإضافة إلى ساحة انتظار للسيارات ومكاتب إدارية، ليصبح السوق مجهزًا بكافة الخدمات اللوجستية، وأوضح حنفي أن حلقة الأسماك تمثل نقلة نوعية في البنية السياحية للغردقة، إذ لم تعد مجرد سوق تجاري منظم للصيادين وأصحاب المراكب، بل تحولت إلى نقطة جذب تعكس تراث المدينة البحري وتقدم صورة عصرية تليق بمكانتها كواحدة من أبرز المقاصد العالمية، ويعد إدراج الحلقة ضمن برامج الزيارات السياحية اعترافًا بأهميتها الثقافية والاقتصادية، حيث أصبحت جزءًا من تجربة السائح للتعرف على الحياة اليومية للمدينة بعيدًا عن الشواطئ والمنتجعات، مما يعزز مكانة الغردقة كمدينة متعددة الأوجه تجمع بين السياحة الترفيهية والثقافية والتراثية، ويعتبر تطوير حلقة الأسماك مكسبًا مزدوجًا؛ فمن ناحية وفر للصيادين وأصحاب الشوادر مكانًا حضاريًا يليق بمنتجاتهم ويضمن عرضها بشكل صحي ومنظم، ومن ناحية أخرى عزز من فرص المدينة لتقديم تجربة سياحية متكاملة تمتد من البحر إلى السوق ومن الفندق إلى قلب الحياة الشعبية، وبذلك أصبحت الحلقة رمزًا لمفهوم «السياحة المجتمعية»، حيث يشارك السكان المحليون بشكل مباشر في إثراء تجربة السائح ويستفيد الاقتصاد المحلي من عوائدها.
أكد بدوي عبدالكريم، مرشد سياحي، أن «حلقة الأسماك» لم تعد مجرد سوق شعبي ضيق الأزقة يكتفي ببيع ما يجود به الصيادون من خيرات البحر الأحمر، بل تحولت بعد التطوير إلى لوحة معمارية حضارية ومزار بارز يلتقي عنده التاريخ بالحداثة، والتجارة بالثقافة، والبحر بالمدينة، بينما كان الأهالي يأتون قديمًا طلبًا لوجبة يومية من السمك الطازج، بات السائحون من مختلف الجنسيات يتقاطرون اليوم إليها ضمن جولات السيتي تورز ليتعرفوا على ملامح الحياة المحلية التي تمنح الغردقة طابعها الخاص.