تحدث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بكلمات موجهة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، حيث عبر عن دعم الأزهر له، ودعا الله أن يقوي عزيمته في موقفه الثابت ضد ذوبان القضية الفلسطينية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، ورفضه القاطع لمؤامرات التهجير، مع التأكيد على الموقف المصري التاريخي في دعم القضية الفلسطينية ومساندة الفلسطينيين.
كما قدم شيخ الأزهر أطيب التمنيات للرئيس السيسي، ولشعب مصر، وللأمتين العربية والإسلامية، بمناسبة حلول ذكرى مولد خير الناس، سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وأكد أن ميلاده ليس مجرد ميلاد زعيم أو قائد، بل هو ميلاد رسالة إلهية خاتمة، أرسل بها نبي خاتم، وكلف بالدعوة إليها جميع الناس في كل أنحاء الأرض، بدعوة واحدة، وعلى مبدأ المساواة بين الشعوب والأجناس.
وأشار إلى أن الاحتفال هذا العام يكتسب أهمية خاصة، إذ يمثل ذكرى مرور ألف وخمسمائة عام على ميلاده، وهي ذكرى لا تتكرر إلا كل مائة عام، مما يجعلها بشرى لأبناء هذا الجيل، لتخفيف الكرب عن المكروبين وإزالة الهم والغم عن البؤساء والمستضعفين، برحمة الله، وبالرحمة التي أرسل بها رسولك إلى العالمين.
كما أوضح شيخ الأزهر أن صفة الرحمة كانت من أبرز خصائص النبي، حيث تجلت في كل أفعاله وأقواله، مع أهله وأصدقائه وأعدائه، مما جعل هذه الرحمة مناسبة للدعوة التي تتجاوز الزمان والمكان، وتتناسب مع رسالة الإسلام التي تشمل جميع البشر، مهما كانت أخلاقهم أو أفعالهم.
وسلط الإمام الأكبر الضوء على أحد أبرز مظاهر الرحمة النبوية، وهو التشريع الإسلامي للحرب، موضحًا أن الإسلام وضع قواعد أخلاقية صارمة للحرب، مما جعل القتال مقتصرًا على دفع العدوان، وحرم الإسراف في القتل والتخريب، وأكد على حرمة قتل غير المقاتلين مثل الأطفال والنساء والشيوخ، مشيرًا إلى أن الفقهاء المسلمين وضعوا “فقه السير” كأحد أسس القانون الدولي، وكان هناك إجماع على حرمة الإسراف في القتل أو التدمير، وأن يكون القتال محصورًا في نطاق رد الاعتداء، وليس للانتقام أو الإبادة.
وأشار إلى أن حديثه عن الحرب في الإسلام لا يعني مقارنة حروب المسلمين بحروب العصر الحديث، حيث إن المقارنة تتطلب اشتراكهما في وصف واحد، وهو ما لا ينطبق هنا، فالإسلام حرم قتل الأطفال، بينما تُحرض بعض الأنظمة على تجويع الأطفال، مما يجعلهم ضحايا لصراعات لا ناقة لهم فيها.
وأكد أنه حان الوقت لتذكر دروس الماضي، والتعلم من أحداث التاريخ، خاصة في فلسطين، حيث شهدت صمودًا ونضالًا طويلًا، وعندما اتحد العرب والمسلمون تحت قيادة صلاح الدين، تمكنوا من استعادة الأرض من الصليبيين، مما يؤكد أن الحل يكمن في التضامن العربي والإسلامي.
وشدد الإمام الأكبر على أن الأزهر ليس دعاة للحروب، بل للعدالة والإنصاف والاحترام المتبادل، حيث إن العدل والسلام اللذين ندعو إليهما يجب أن يكونا مشروطين بالإنصاف، وانتزاع الحقوق التي لا تقبل المساومة، مؤكداً أن العدل والسلام الحقيقيين لا يعرفان الذلة أو الخنوع، ويجب أن تُصنع بقوة الإرادة والعلم والتنمية الاقتصادية، والتحكم في الأسواق، والتسليح الذي يمكن من رد أي اعتداء على الأرض والشعب.