في شوارع ضيقة يحيط بها الطين الأحمر، تتصاعد روائح الحرق من الأفران التي تعمل بلا انقطاع، تستقبل قرية الفرستق التابعة لمركز بسيون في محافظة الغربية كل صباح صوت دوران العجلات الخشبية، وأيادي الرجال والنساء الذين يبدعون في تشكيل الطين ليصنعوا أوانٍ فخارية تحتفظ برودة المياه وتزين موائد المصريين.
داخل أحد المصانع الصغيرة المليئة بالطين والأدوات البسيطة، يجلس محمد، الرجل الذي يبلغ من العمر خمسين عامًا، وهو يحرك يديه ببراعة على قطعة من الطين المبلل بالماء، بينما تدور العجلات الخشبية تحت قدميه، حيث يقول: “إحنا ورثنا الصنعة دي عن أجدادنا، والفخار هو مصدر رزقنا، ربّيت أولادي منه، زمان كان فيه بدائل قليلة، لكن لحد النهارده الناس لسه بتشتري الطواجن والقلل من هنا عشان جودتها، وكمان ليها مذاق خاص في الأكل”
وبالقرب منه، يقف عز، الشاب الذي في عقده الثالث، عامل مكبس، حيث يوضح: “بشتغل من وأنا صغير، والقرية كلها بتشتغل في الشغلانة دي، ومواعيد العمل تبدأ من 7 صباحًا حتى 6 مساءً، ومراحل التجهيز تبدأ بعملية التخمير، وتقطيع الطين لقطع صغيرة تشبه قطع العجين الدائرية في حجم كف اليد، حتى يستطيع العامل التعامل معها وتشكيلها، سواء كانت أوانٍ أو أكواب أو غير ذلك من أدوات المائدة وأشكال الزينة”
ثم تأتي مرحلة وضع القطع تحت أشعة الشمس لمدة يوم، يليها دخولها إلى الأفران بعد التجفيف على مرحلتين: الأولى عند درجة حرارة تقارب 700 درجة مئوية، ثم إعادة دخولها مرة أخرى على درجة 1000 درجة مئوية، وتأتي المرحلة الأخيرة، وهي التغليف وطرح المنتجات في الأسواق المحلية والدولية
قال حمدي أبوجبل، صاحب أحد مصانع الفخار في قرية الفرستق، إن عدد الورش والمصانع الموجودة في القرية يقارب الـ200 ورشة، يعمل بها أهالي القرية، حيث تتضمن مراحل التصنيع أساليب حديثة باستخدام ماكينات، مما يزيد من عجلة الإنتاج، وأيضًا جودة المنتج كونه يحافظ على الأشكال متناسقة وحجم موحد، بالإضافة إلى الأساليب اليدوية.
المادة المستخدمة في صناعة الفخار هي الطين الأسواني، الذي يُجلب من جبال محافظة أسوان، ثم يتم تحويله إلى بودرة عبر مصانع في القرية، وتوزع حسب احتياج كل مصنع، بجانب وجود عدد من الصناعات التكميلية التي تخدم صناعة الفخار مثل صناعة الخزف، و”الجليز” وهي مادة دهان، ومصانع كرتون، وتابع أن الدولة تولي اهتمامًا خاصًا بهذه الحرفة، حيث قامت بتيسير استخراج الرخص اللازمة من جهاز تنمية المشروعات، حتى يتسنى لهم التصدير إلى الخارج، كما قامت هيئة التنمية الصناعية بتغيير الكود الخاص بتلك المصانع من مرتفع المخاطر إلى منخفض، ولكن هناك عدة تحديات وصعوبات، أبرزها ارتفاع أسعار الخامات وأسطوانات الغاز، وطالب بسرعة الانتهاء من إدخال الغاز الطبيعي، من أجل تقليل التكلفة وزيادة الإنتاجية.