رغم التطور العمراني والسياحي الذي تشهده مدن البحر الأحمر، إلا أن مشكلة المياه تظل القلق الأكبر الذي يشغل بال الأهالي والمستثمرين على حد سواء.

تعتمد المحافظة بشكل كبير على تحلية مياه البحر، لكن الطاقة الإنتاجية الحالية لا تكفي لمواجهة الزيادة السريعة في عدد السكان والتوسع السياحي والاستثماري، مما دفع السكان والعاملين في القطاع السياحي إلى تجديد مطالبهم بضرورة تسريع تنفيذ مشاريع التحلية الجديدة وتوسيع المحطات القائمة، مع تخصيص ميزانيات عاجلة لضمان بدء العمل في المحطات الجديدة، حيث تعتبر هذه المشاريع شريان الحياة والتنمية للمحافظة التي تعتمد بشكل رئيسي على تحلية مياه البحر كمصدر رئيسي للمياه العذبة، خاصة في حلايب وشلاتين.

ويُعد التحدي الأكبر، وفقًا للمراقبين، هو سرعة تخصيص الميزانيات العاجلة لهذه المشاريع ووضع جداول زمنية دقيقة للانتهاء منها، فالمياه لم تعد مجرد خدمة أساسية بل أصبحت عاملًا استراتيجيًا يرتبط بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني لمحافظة البحر الأحمر.

تشير التقديرات إلى أن الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية الحالية في البحر الأحمر تتجاوز 150 ألف متر مكعب يوميًا، وتغطي مدن الغردقة وسفاجا والقصير ومرسى علم وحلايب وشلاتين بدرجات متفاوتة، ومع ذلك، فإن هذه الكميات لم تعد كافية لمواكبة النمو السريع في عدد السكان والتوسع العمراني الكبير، خاصة في مدينة الغردقة، ووفقًا للمخطط القومي لتحلية مياه البحر، من المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية بالمحافظة خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى نحو 400 ألف متر مكعب يوميًا بعد دخول المحطات الجديدة للخدمة وتوسيع القائمة منها.

أجرت «إقرأ نيوز» جولة في عدد من أحياء الغردقة وسفاجا والقصير، حيث تكررت شكاوى الأهالي من ضعف ضخ المياه وانقطاعها المتكرر في أوقات الذروة، وذكر حسن عبد الرحمن، موظف من سفاجا، أنه أحيانًا تمر أيام دون توفر مياه كافية، مما يضطرهم لشراء جراكن من سيارات نقل المياه بأسعار مرتفعة، بينما يعتبر حق الحصول على المياه أمرًا أساسياً لا يتوفر بالشكل الكافي.

وفي السياق نفسه، أشارت أميرة عبد الله، ربة منزل من القصير، إلى معاناة الأسر في تعبئة وتخزين المياه، قائلة: «نعيش على جداول ضخ وتوزيع محددة ونتعامل مع المياه كسلعة نادرة، ونحتاج لمحطة تحلية كبرى تضمن لنا استقرار الخدمة وتوفيرها بشكل دائم بدلاً من مناوبات الضخ الأسبوعية»

وطالب الأهالي بسرعة البدء في إنشاء محطات تحلية جديدة بمدينة رأس غارب بطاقة تصل إلى 20 ألف متر مكعب يوميًا لتلبية احتياجات المدينة الصناعية والسكنية المتنامية، كما طالبوا بإنشاء محطة كبرى في سفاجا بطاقة لا تقل عن 40 ألف متر مكعب يوميًا نظرًا لارتباطها بمشروعات الموانئ والتعدين واللوجستيات، وأكدوا على ضرورة إقامة محطة حديثة في القصير بطاقة تتراوح بين 30 و50 ألف متر مكعب يوميًا لتغطية احتياجات التوسعات العمرانية والسياحية، بينما تحتاج مدينة مرسى علم، التي تستقبل مئات الآلاف من السياح سنويًا، إلى محطة استراتيجية بقدرة إنتاجية لا تقل عن 50 ألف متر مكعب يوميًا لمواكبة النمو السياحي الكبير وضمان استمرارية الخدمات بجانب رفع كفاءة المحطات الصغيرة القائمة.

كما تضمنت المطالب سرعة توسعة ورفع كفاءة محطات حلايب وشلاتين القائمة، التي تعمل حاليًا بطاقة محدودة لا تتجاوز 5 – 10 آلاف متر مكعب يوميًا لكل محطة لتغطية احتياجات السكان والمشروعات التنموية، خاصة أن هذه المناطق الحدودية ذات طبيعة استراتيجية تحتاج إلى دعم استثنائي في مجال البنية التحتية والخدمات الأساسية.

أكد حمادة الأخوانى، أحد خبراء السياحة بالبحر الأحمر، أن أي تأخير في تنفيذ هذه المشاريع سيؤثر على قدرة البحر الأحمر على استيعاب النمو السياحي العالمي، مشيرًا إلى أن المحافظة تستقبل سنويًا 5 ملايين سائح أجنبي بجانب حركة السياحة الداخلية المتزايدة صيفًا، مما يفرض ضغوطًا هائلة على الموارد المائية، وشدد على أن نجاح خطط التنمية المستدامة بالمحافظة مرهون بتوفير التمويل اللازم لهذه المشاريع عبر تخصيص ميزانيات عاجلة وتنفيذها وفق جدول زمني صارم لضمان استدامة التنمية العمرانية والسياحية والاقتصادية.

تشير البيانات الرسمية إلى أن الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية بالبحر الأحمر تتجاوز 150 ألف متر مكعب يوميًا، ومع ذلك، فإن الاحتياجات المستقبلية تتطلب مضاعفة هذه الكميات، حيث تستهدف الخطط القومية أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى نحو 400 ألف متر مكعب يوميًا خلال السنوات المقبلة.

قال الخبير السياحي محمد شمروخ، إن قضية المياه أصبحت عنصرًا حاسمًا في مستقبل الاستثمار السياحي بالبحر الأحمر، مضيفًا: «لا يمكننا الحديث عن تنمية سياحية مستدامة في مدن مثل مرسى علم أو القصير دون تأمين مصادر المياه، وأي تأخير في تنفيذ مشروعات التحلية سيؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمة المقدمة للسائحين وبالتالي على تنافسية مصر في السوق العالمية، ويجب الإسراع في تنفيذ الخطة المتكاملة التي وضعتها الدولة للتوسع في مشروعات التحلية على سواحل البحر الأحمر ضمن الخطة القومية التي تستهدف إنتاج أكثر من 6.5 مليون متر مكعب يوميًا على مستوى الجمهورية بحلول 2050، مؤكدًا أن البحر الأحمر سيكون له النصيب الأكبر من هذه المشاريع لكونه يعتمد كليًا على مياه البحر

اتفق الأهالي والخبراء على أن مستقبل البحر الأحمر كوجهة سياحية واستثمارية عالمية لن يتحقق إلا بوجود بنية تحتية قوية للمياه، وأن الإسراع في تنفيذ محطات التحلية الجديدة وتوسعة القائم منها لم يعد خيارًا بل ضرورة وجودية لضمان حياة كريمة للسكان واستدامة التنمية في واحدة من أهم محافظات مصر الساحلية.

وكشف اللواء عمرو حنفى، محافظ البحر الأحمر، أن وزارة الإسكان أدرجت تنفيذ 4 محطات تحلية مياه البحر المطلوبة في المحافظة ضمن الخطة الاستثمارية للهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، وتم استثناء هذه المحطات الأربعة من الخطة الاستثمارية لتحلية المياه، وتم إخطار الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بموقف الأراضي الصالحة فنيًا لإنشاء 4 محطات تحلية في محافظة البحر الأحمر.

تابع: «صدرت قرارات التخصيص وجميع الموافقات الفنية الخاصة بالمحطات، وذلك في إطار جهود المحافظة ووزارة الإسكان لتوفير مياه شرب مستدامة وآمنة للمواطنين، وتم تدبير مليار جنيه للبدء في تنفيذ المشاريع، والتي تشمل إبرام بروتوكول لإنشاء محطات لتحلية المياه في مدن سفاجا، القصير، ورأس غارب، ومرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، موزعة على محطة تحلية سفاجا بطاقة إنتاجية 30 ألف متر مكعب يوميًا، ومحطة لتحلية المياه بمدينة القصير بطاقة إنتاجية 25 ألف متر مكعب يوميًا، ومحطة لتحلية المياه بمدينة مرسى علم بطاقة إنتاجية 10 آلاف متر مكعب يوميًا، بالإضافة إلى إنشاء محطة تحلية رأس غارب بطاقة إنتاجية 20 ألف متر مكعب يوميًا، بإجمالي 85 ألف متر مكعب يوميًا لتلك المحطات

أضاف حنفى أن مشروع محطات تحلية مياه البحر في البحر الأحمر يعد خطوة نحو تحسين مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين في المحافظة، ومن خلال هذا المشروع سيتم توفير مصدر مياه مستدام وآمن للمدن والمناطق المحيطة بها، كما يعكس هذا المشروع التزام الدولة بتوسيع نطاق مشروعات تحلية المياه في المناطق الساحلية، مما يسهم في دعم استدامة الموارد الطبيعية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق، مشددًا على أن إنشاء محطات تحلية مياه البحر في مدن البحر الأحمر يمثل حلًا طويل المدى وضروريًا للأزمة المستمرة في مياه الشرب، وسيساهم المشروع في تحسين جودة الحياة للمواطنين ويعزز الاستدامة البيئية بما يسهم في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق الحيوية.

أكد المهندس أحمد شعبان، رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحر الأحمر، أن الشركة تلتزم بأعلى المعايير والمواصفات القياسية الخاصة بتحلية المياه لضمان إنتاج مياه صالحة وآمنة للاستهلاك البشري، وأوضح أن المحطات التي يتم إنشاؤها في المحافظة ستخضع لأحدث التقنيات في مجال تحلية المياه مع مراعاة المعايير الصحية لضمان جودة المياه المنتجة، كما سيتم تدريب الكوادر المحلية لتشغيل المحطات وصيانتها بشكل دوري، مما يعزز قدرة المشروع على تقديم خدماته بشكل مستمر وآمن.

يُعتبر إنشاء محطات تحلية مياه البحر في رأس غارب وسفاجا والقصير ومرسى علم جزءًا من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تعزيز مصادر المياه في المناطق الساحلية بمصر، ومن المتوقع أن تساهم هذه المحطات في توفير مياه الشرب دون مشاكل، وأن تستمر المشاريع في التوسع في المستقبل القريب لتلبية احتياجات السكان المحليين والمناطق السياحية والصناعية.

أكد اللواء ممدوح نديم، رئيس مدينة رأس غارب شمال محافظة البحر الأحمر، أنه تم تحديد موقع الأرض المخصصة بقرار جمهوري لإنشاء محطة تحلية مياه البحر بشارع الميناء لخدمة أهالي المدينة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من مياه الشرب ضمن خطة الدولة لإقامة عدد من محطات التحلية في المدن والمحافظات الساحلية، وأكد نديم أن القرار الجمهوري ينص على تخصيص أرض بمساحة 9.6 فدان (40480 مترًا مربعًا) بغرض إنشاء محطة تحلية بطاقة إنتاجية 20 ألف متر مكعب يوميًا، موضحًا أن كمية المياه المنتجة عن محطة التحلية ستوفر ضخ مياه الشرب للمواطنين على مدار 24 ساعة يوميًا في مختلف أنحاء المدينة.

كانت مدن البحر الأحمر قد شهدت خلال السنوات الماضية أزمة في مياه الشرب، حيث عانت العديد من المدن من نقص حاد وصل إلى حد أن المياه كانت تُضخ مرة واحدة كل 10 أيام، وارتفع سعر طن المياه إلى 500 جنيه، وطالب الأهالي في مدن سفاجا والقصير ورأس غارب ومرسى علم مسؤولين وزارة الإسكان بسرعة تنفيذ محطات تحلية المياه في تلك المدن لتفادي تكرار الأزمة الصيف المقبل.

تواجه مدن البحر الأحمر مثل سفاجا والقصير ورأس غارب ومرسى علم عجزًا شديدًا في مياه الشرب بسبب تزايد الطلب الناتج عن السياحة والأنشطة الاستثمارية، ويقدر عدد السكان في هذه المدن بحوالي 400 ألف نسمة بخلاف أعداد السياح الذين يزورونها طوال العام.