تجربة مصر في تعزيز زراعة النخيل وإنتاج التمور تحظى باهتمام كبير سواء على المستوى المحلي أو العالمي، حيث تصدرت مصر قائمة الإنتاج العالمي للتمور بإجمالي ١.٩ مليون طن سنويًا، وهو ما يمثل ١٩٪ من الإنتاج العالمي و٢٤٪ من الإنتاج العربي.
تنتشر زراعة النخيل في عدة محافظات مثل أسوان، الوادي الجديد، الجيزة، الشرقية، والبحيرة، وتتنوع أصناف التمور بين الرطبة والنصف جافة والجافة، وتسعى مصر لتعزيز مكانتها من خلال صادراتها من التمور، والتوسع في زراعة الأصناف التصديرية عالية الجودة، مع استخدام تقنيات زراعة الأنسجة لإنتاج نباتات متجانسة وخالية من الأمراض، كما تسعى لتنفيذ مشروعات كبرى تشمل إنشاء أكبر مزرعة نخيل في العالم في توشكى على مساحة ٣٨ ألف فدان، تضم ٢.٥ مليون نخلة من الأصناف الاقتصادية.
تشمل جهود الزراعة والمراكز البحثية تطوير مراحل الإنتاج والتجميع والتصنيع والتصدير، مع الاستفادة من المنتجات الثانوية ومخلفات النخيل لتعزيز الدخل القومي ودعم صغار المزارعين والمستثمرين في إطار التوسع في زراعة النخيل.
يقول الدكتور عز الدين جاد الله حسين، مدير المعمل المركزي لأبحاث وتطوير نخيل البلح: «مصر أصبحت من كبرى الدول المنتجة والمصدرة للتمور، من خلال زراعة أصناف متميزة من النخيل جيدة الثمار وخالية من الأمراض»
وأشار «جاد الله» إلى إطلاق مبادرة عالمية باسم «بلد واحد منتج واحد ذو أولوية» من خلال منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، في إطار سعي المنظمة للمساهمة في تحقيق استراتيجيات التنمية المستدامة بحلول عام ٢٠٣٠، بهدف تحسين مكونات النظام الزراعي والغذائي وتقليل الآثار السلبية وتعظيم الأرباح، في ظل التحديات الموجودة على جميع مراحل سلسلة القيمة، بما في ذلك الإنتاج الأخضر والتخزين والتصنيع والتسويق الأخضر.
وأوضح «جاد الله» أن المبادرة اعتمدت على اختيار المنتجات الزراعية ذات الصفات الفريدة على جميع المستويات، مما يساهم في التحول إلى أنظمة غذائية زراعية أكثر كفاءة ومرونة واستدامة، لتحقيق إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، والوصول إلى بيئة أفضل وحياة أفضل للإنسان، لافتًا إلى إطلاق المبادرة في خمس أقاليم: أفريقيا، وآسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والشرق الأدنى وشمال أفريقيا، وأوروبا وآسيا الوسطى، حيث انضمت إليها ٩٤ دولة، مما ساهم في تعزيز التنمية الخضراء لأكثر من ٥٦ منتجًا زراعيًا
وأشار مدير المعمل إلى اختيار مصر ممثلة لإقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا لتطبيق المبادرة على أحد الحاصلات الزراعية الخاصة بها، ليكون نموذجًا يحتذى به في منتجات زراعية أخرى، وتم التوافق على اختيار التمور كمنتج ذي أولوية، باعتبارها من المحاصيل الاستراتيجية، حيث تحتل مصر المرتبة الأولى عالميًا في الإنتاج بنحو ٢ مليون طن، تمثل ١٩٪ من الإنتاج العالمي و٢٤٪ من الإنتاج العربي.
وأضاف «جاد الله» أن قطاع التمور يعتبر من القطاعات الواعدة لخلق فرص عمل وزيادة الاستثمارات والصادرات، وتحقيق التنمية، في ظل اهتمام القيادة السياسية بهذا القطاع وتوجيهاتها المستمرة، التي تضمنت إنشاء أكبر مزرعة نخيل في العالم بمنطقة توشكى بسعة ٢.٥ مليون نخلة من الأصناف ذات القيمة التسويقية المرتفعة، وما يرتبط بها من معاملات ما بعد الحصاد وتعظيم قيمتها المضافة، مشيرًا إلى أن السنوات الأخيرة (٢٠١٧–٢٠٢٥) شهدت توسعًا في زراعة النخيل بأنواعه المختلفة، خاصة الأصناف ذات القيمة السوقية المرتفعة، بالإضافة إلى زراعة ٥ ملايين نخلة من مختلف الأصناف لتغزو محصولها السوق المحلي وأسواق التصدير.
وأوضح مدير المعمل المركزي للنخيل أن مبادرة «بلد واحد منتج واحد ذو أولوية» تأتي تتويجًا لجهود مصر في مجال زراعة النخيل، مشيرًا إلى تشكيل فريق عمل وطني يضم خبرات من وزارتي الزراعة واستصلاح الأراضي، والصناعة والقطاع الخاص، لتغطية سلسلة القيمة لقطاع النخيل والتمور بهدف تحسين الإنتاج وجودة التمور لتكون قادرة على المنافسة دوليًا.
وأشار «جاد الله» إلى أنه في إطار المرحلة الأولى من المبادرة، تم اختيار منطقة الواحات البحرية، إحدى المناطق التي تتركز فيها زراعة النخيل، لتنفيذ خطة العمل، مع إطلاق ورش عمل على المستويين المحلي والإقليمي، التي حققت نجاحًا كبيرًا أشادت به منظمة «الفاو» والدول المشاركة في المبادرة، وأنه بنهاية ديسمبر ٢٠٢٣ انتهت المرحلة الأولى، وتجري حاليًا التجهيزات لبدء المرحلة الثانية، لافتًا إلى تكريم مصر كأفضل فريق عمل وطني نفذ المبادرة على مستوى الدول المشاركة.
وأكد استمرار مصر في تطوير قطاع التمور تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية، حيث بلغت كمية صادرات التمور الطازجة والمصنعة خلال عام ٢٠٢٤ حوالي ٨٨ ألف طن بقيمة ١٠٨ ملايين دولار، مشيرًا إلى أن مشاركة مصر بمحصول نخيل التمر جاءت من إيمان الدولة المصرية بأهمية هذا القطاع كمصدر واعد للتنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وتعزيز صادراتنا الزراعية ذات القيمة المضافة.
وأوضح «جاد الله» أن هذه المبادرة مثلت فرصة فريدة لتبادل الخبرات، ومواءمة الجهود الدولية نحو النهوض بالمنتجات الوطنية ذات الميزات التنافسية، مما أكد ضرورة التكامل بين المعرفة والتكنولوجيا والسياسات العامة لتحقيق التحول المنشود في نظمنا الزراعية.
وأشار «جاد الله» إلى أن مصر تمتلك ١٥ مليون نخلة، يتم تصدير ٤٪ منها، حيث تم تصدير ٥٠ ألف طن من الأصناف الجافة ونصف الجافة في عام ٢٠١٨، و٤٠ ألف طن عام ٢٠١٩ إلى دول المغرب وماليزيا وأندونيسيا، وأشهرها «الصعيدي» و«البرحي» و«المجدولي»، كما يتم إنتاج ٨٠ ألف طن من الأصناف الرطبة، وأشهرها «الحيانى» و«الزغلول»، بنسبة ٥٢٪ وأخرى بنسبة ٢٥٪ من الأنواع البذرية.
ولفت مدير معهد بحوث النخيل إلى أن أكثر المشاكل التي تواجه التصدير تتمثل في عدم وجود ثلاجات تبريد وسيارات نقل مجهزة، فضلًا عن عدم توافر مصانع لصناعة التمور.
وأوضح أن هناك مقترحًا لإنشاء بورصة للتمور، بالتنسيق مع وزارتي التموين والتجارة الداخلية والزراعة لتسويقه وفقًا للمواصفات القياسية.
وأعرب «جاد الله» عن تقدير مصر لجهود منظمة «فاو» في إطلاق هذه المبادرة الرائدة، التي تأسست في توقيت بالغ الأهمية، في ظل تحديات زراعية وطموحات التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي، مؤكدًا التزام الدولة بمواصلة دعم قطاع النخيل ومنتجاته، وتبني الممارسات الزراعية المستدامة، وتعزيز سلاسل القيمة المضافة، في إطار رؤية مصر ٢٠٣٠، التي تضع الزراعة المستدامة والاقتصاد الأخضر ضمن أولوياتها، وأوضح «جاد الله» أن صدور «أطلس النخيل في مصر»، بالتعاون بين منظمة «فاو» ووزارة الزراعة، يأتي في إطار ما تتمتع به الدولة من خبرة كبيرة في إنتاج التمور الجيدة والمحافظة على السلالات المصرية.